مقدمة إعلانية:
الداخلية تعلن مقتل فرنسي داخل مقر احتجازه بأحد أقسام الشرطة
التحقيق في مقتل 37 من نزلاء سجن أبو زعبل
القبض على 6 نشطاء نظموا وقفة أثناء نظر قضية خالد سعيد بالإسكندرية
****
أتفق مع الجنرال السيسي في أمر واحد فقط، ذكره في حديث تم نشره على اليوتيوب، وهو أنّ الطريق الذي تسير فيه مصر منذ ثورة 2011 هو "تفكك الدولة وإعادة تركيبها"، على أنني أرى أنّ كل المحاولات التي جاءت منذ 11 فبراير 2011 لـ"إعادة تركيب" الدولة، باءت وستبوء بالفشل، مما يهدد الأمن القومي لمصر تهديداً حقيقياً غير مسبوق.
لماذا هي محاولات فاشلة؟ لأن محاولات "إعادة تركيب" الدولة بالنسبة للسيسي وجنرالات الجيش لا تعني سوى إعادة "تستيب/تنزيل" نفس نسخة "الويندوز" المعطوبة المليئة بالفيروسات والعلل (ناهيك عن أنها قديمة)، وتوقع نتائج أفضل في كل مرة كأحد أعراض أميّة الكمبيوتر. ولماذا هي تهديد غير مسبوق للأمن القومي؟ لأن استنزاف كل ذلك الوقت في تلك المحاولات الفاشلة، سينتهي غالباً بالانهيار التام، فلا يوجد في الأفق حتى الآن أي مؤشر على توقف الدم، والصراع والاقتتال الأهلي في مصر، ناهيك عن أي مؤشر على حوار حقيقي جاد وشفاف للاتفاق على قواعد جديدة محترمة للعبة السياسية.
ثار المصريون ضد مبارك بعد أن تحملوا طويلاً ظلمه وقهره، ولم يكن من مخرج سوى الثورة على فداحة ثمنها، ثم اختاروا الإخوان لعل وعسى... لكن الإخوان خانوا وباعوا، وقرروا "تستيب" نفس نسخة "الويندوز" التي يريد العسكري تركيبها على الكمبيوتر مع بعض التغييرات الشكلية، حذف الموسيقى واستبدالها بالقرآن مثلاً... حتى لو كان "السيستم كله ضارب" ومليئاً بالفيروسات والعلل، المهم أن يبدو "إسلامياً". ثم جرى ما جرى.
****
فاصل إعلاني 1 :
مصدر: الحكومة غير قادرة على تطبيق الحد الأقصى للأجور بسبب كبار الموظفين
مصر تسلمت 7 مليارات دولار من الخليج من أصل 12 ملياراً كمساعدات
الجيش والشرطة يحاولان فض اعتصام عمال شركة السويس للصلب بعد القبض على 2 منهم
قوات الجيش بالمحلة تحاول فض اعتصام عمال شركة الغزل.. والمعتصمون يهددون بالإضراب عن العمل
****
هل تستطيع أن تميز إن كانت العناوين الخبرية أعلاه من حقبة "مبارك" أمْ "مرسي"، أمْ "السيسي" ؟ نظيف، قنديل، أمْ الببلاوي؟ ماذا عن أخبار الداخلية أعلاه؟ هل تذكرك بأي شيء؟ تذكرت؟ لاتزال تحاول؟
ليست لدي بالطبع أية دهشة إزاء أذناب مبارك والمنتفعين من دولته ونظامه الذين يهلّلون ويطبّلون للنظام الجديد بعد الإطاحة بمرسي، فهؤلاء يرون في كل انتفاضة شعبية جديدة، فرصة "للركوب" وملء الفراغ السياسي، وفرض رغباتهم التي يتوهمون أنها ستعيد لهم دولتهم، وتحافظ على البقية من مصالحهم التي لم تنجح ثورة يناير حتى الآن في الإطاحة بها. لكني لازلت لا أملك سوى الاندهاش أمام إصرار بعض من أعرف إخلاصهم وتجردهم، ولا أملك سوى أن أتساءل إلى أي حد يمكن أن يفقد الإنسان صوابه ورشده؟
بعض هؤلاء أساتذة جامعة وزملاء "تعلمت" حرفياً على أيديهم... كانوا رفاقاً في الطريق، وقدوة في النضال والتضحية، تعلمت منهم خطورة الفاشية، كما درست في محاضراتهم وندواتهم خطورة "خطاب مكافحة الإرهاب" على العملية الديمقراطية والتفكير النقدي، وكيف يمكن للدولة أن تواجه وتكافح المتطرفين أفراداً وجماعات، دون أن تزج بكل الشعب في ذلك النفق المظلم العفن المسمى "مكافحة الإرهاب" فتعيد – بالفعل – إنتاجه، كما فعل جورج بوش بأمته والعالم، ودون أن تضطر لتصنيف الناس: إما معنا وإما ضدنا، كما فعل.
تعيش مصر الآن، ومنذ 3 يوليو، موجة عاتية من الفاشية الوطنية (بدأت والحمد لله تنكسر بفضل القلة التي قبضت على جمر شجاعة الكلمة)، من تلك النوعية التي شهدتها بعض دول أوروبا في الثلاثينات من القرن الماضي. وكذلك من تلك النوعية "المكارثية" التي صارت صفحة سوداء في تاريخ أميركا.
****
فاصل إعلاني 2:
ممثل الجيش يؤكد أمام "الخمسين" استحالة منع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري
الأحد.. أولى جلسات محاكمة الصحفي «أبو دراع» أمام المحكمة العسكرية
السويس: محاكم عسكرية لطلبة وعمال وصيادين
شاهد يكذب تصريحات الجيش بشأن مقتل صحفي الأهرام بكمين للجيش بالبحيرة
****
في الزمن البعيد، حين كان جدي وجدك يسكنون الكهوف والحقول، كان الذكور من كل قبيلة وقرية يشكلون حاميتها، وجيشها المدافع عنها، ثم يعودون جميعاً للحقل والصيد، فلم يكن لأحد ميزة على آخر، ثم عرفت البشرية جيوش السلاطين والملوك، إذ يدين الجيش بالولاء لحاكمه وسلطانه، ثم تطورت الإنسانية أكثر، وعرفت الجيوش النظامية التي تدين بالولاء للدولة ودافعي الضرائب، عبر حكومة منتخبة ديموقراطياً بينما يشرف على الجيوش ويراقبها ويعين وزير دفاعها، هيئات أخرى مدنية مستقلة، دون أن يؤثر ذلك أو يتعارض مع حساسية المعلومات العسكرية وأهميتها للأمن القومي.
لكن عندنا ما يزال جنرالات الجيش مقتنعين بأن مهمتهم المقدسة السامية في الدفاع والذود عن الأمّة، تعطيهم الحق في أن ينفردوا بالقرار، وأن تصبح أجهزة جمع المعلومات حصراً عليهم، لا يشاركهم فيها "المدنيون الأوباش" بخناقاتهم وسياساتهم الحزبية ورغبتهم في "الحكم" ، بل وأن يحاكموا "الأغيار" عسكرياً، في حين ليس من حق "الأغيار" محاكمة عسكري أمام محكمة مدنية. فالحكم يجب أن يكون للجيش وحده، لا شريك له، وهو يعرف كيف يدير ذلك الأمر ولا داعي لتدخل "الأغيار"، لأن رجاله وطنيون مخلصون لا يمكن أن يتم التشكيك في إخلاصهم، بل ويتم مراقبتهم ومحاسبتهم داخلياً. كأن الوطنية هي فقط عماد صلاح المؤسسات، وليس المحاسبية والشفافية.
****
لماذا نذهب بعيداً إلى تجارب أخرى، دعوني أحكي لكم حكاية أحد "المُخلصين" من بيننا. حينما حاولتْ الدولة العثمانية أو "الرجل المريض كما كانت تُسمّى" إصلاح شؤونها تحت وطأة الضغوط الداخلية والهزائم الخارجية، اضطر السلطان "عبد الحميد الثاني" لتدشين أول دستور للبلاد في بداية توليه الحكم عام 1876 رغبة في ثبيت دعائم حكمه بالاستجابة لبعض مطالب المُعارضة، وعلى الرغم من أن ذلك الدستور (أو قانون أساس كما كان يدعى) حاول الالتفاف على مطالب الإصلاح بالنص في فصله الأول على أن "السلطان هو حامي الإسلام، وشخصه مقدسة وغير مسؤولة"، إلا أن عبد الحميد الثاني لم يكتفِ بذلك، وإنما قام بتعليق العمل بالدستور بعد 11 شهراً فقط من تفعيل السُلطة النيابية، وظل الدستور معطلاً لمدة 30 عاماً، ارتكب خلالها السلطان عبد الحميد مذابح ومظالم بشعة، خاصة بحق الأقليات مثل الأرمن، مازال التاريخ يسجل بشاعتها.
بما أننا من مواليد القرن التالي لتلك الحدوتة، فكلنا نعرف ما حل بعد ذلك بالدولة العثمانية وأقطارها بفعل "حُماة الإسلام" الذين رفضوا مطالب الإصلاح. ويمكن أن نقول باختصار إنهم جمعوا بين الفشل والفاشية. تماما مثل "حُماة الإسلام" و "حُماة الوطنية" حالياً.
****
فاصل إعلاني 3:
أمين «الإخوان»: اعتذار «سلطان» عن أخطائنا لا يعبر عنا.. وتقييم التجارب ليس الآن
العسكري: مشروعاتنا (عرق) وزارة الدفاع.. ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها
*****
هل ثمة أي فارق جوهري حقيقي بين الخطابين فعلاً؟ جماعة محنطة فاشلة ”فاشية“، تراجعت على لسان أمينها العام فوراً عن الاعتذار الوحيد اليتيم الذي صدر منفرداً وعلى استحياء عن أحد أقطابها "صلاح سلطان"، جماعة أجلت النقد الذاتي ولم تقم بمراجعة واحدة حقيقية طوال ثلاثين أو أربعين عاماً تحت دعوى الخطر على الدعوة، ومحاصرة الجماعة أمنياً، وأولويات المرحلة... إلخ.
وفي المقابل جيش كان كل جنرالاته يكررون نفس الخطاب، لتأجيل مطالب الإصلاح، ووضع اقتصاد الجيش وميزانيته وتصرفاته تدريجياً تحت نوع من المحاسبة والرقابة الشعبية، ووقف سلطاته القضائية التي يمكن أن تمتد فجأة لتشمل علاقتك الزوجية قبل أن تفهم ما يحدث. ويستخدم بدلاً من "الخطر على الدعوة"، الخطر على "الجيش". كخطاب لتمرير نكوصه عن العهد.
****
أصبح مطلوباً الآن من كل من ينتقد الجيش أن يمشي حاملاً "أرشيفه" على ظهره من المقالات ليقول للناس انظروا: كنت أنتقد الإخوان والله العظيم، لم أحابيهم يوم كانوا في السلطة، ولا أريد عودة رئيس فاشل، لكني كذلك أرى النظام الحالي فاشياً وفاشلا! وسيقود البلاد والعباد إلى المهالك.
****
لقد كتبت من قبل إن 30 يونيو كانت بمثابة أكبر "لا" اجتماعية وسياسية يقولها شعب من شعوب المنطقة للإسلاميين ومنهجهم، وكنت من ذلك الفريق الذي يرى أنَّ اللعبة السياسية كفيلة بتفكيك إديولوجيا الإسلاميين وإنتاج الأفضل والأصلح، وكنت وما زلت من الفريق الذي يرى ملامح تفكيك الجماعات "الهوياتية" في المنطقة، من إيران إلى مصر إلى تونس.
ثم جاءت مذبحة 14 أغسطس المروّعة لتعطي للإخوان قبلة الحياة، وتعيد لهم جزءاً كبيراً من الشعبية التي افتقدوها، والمبررات التي يحتاجونها للإبقاء على جماعتهم المحنطة دون إصلاح أو نقدٍ ذاتي منذ أكثر من 30 عاماً.
هكذا إذن تنتقل مصر من حكم جماعة ”فاشية“ وفاشلة إلى حكم جنرال فاشل و“فاشي“، الأولى رغبت في إعادة تعريف المواطنة المصرية وفقاً لفهمها للدين، وهددت الأمن القومي بأدائها الأرعن، والثاني يريد إعادة تعريف المواطنة المصرية وفقاً لمفهومه الخاص عن الوطنية والدولة القومية، فيشن الحرب العشوائية في سيناء، ويحاكم العمال عسكرياً، وتُستباح دماء المعتصمين، وتصبح "تسلم الأيادي" هي معيار الوطنية، ويُحال من يرفضها في المدارس من الطلبة والمدرسين للتحقيق، ناهيك عن استمرار اختلال ميزان العلاقات المدنية العسكرية لصالح العسكر وامتيازاتهم ورغبتهم في التحكم دون الحكم، والتوجيه عن بعد دون التعرض للمساءلة، وهو أخطر ما في الأمر.
في هذا الصدد لا يكون السؤال هل السيسي وطني ومخلص لبلده أم لا، مثلما لم يكن السؤال إن كان الإخوان فعلا أتقياء ومحبين للدين أم لا؟ السيسي شخص وطني ويحب بلده.. وماذا بعد؟ بسياسته الفاشلة الفاشية يستكمل ما بدأه مبارك، واستمر فيه الإخوان، من تعريض البلاد لمخاطر جمّة بسبب تأجيل مطالب الإصلاح والزج بالجيش في أتون معركة لا يعلم سوى الله أين ومتى تنتهي.
****
في روايته الأخيرة "باب الخروج" يلتقط عز الدين شكري فشير بشكل دقيق وبارع للغاية متاهة السياسة في مصر، ولماذا تتحول الثورات إلى فوضى، ولماذا تفشل الحكومات المتعاقبة، وكيف يمكن للمرء أن يتخذ قراراً أو أن يساند طرفاً على طرف، وسط كل تلك الفوضى، إذ يشير في نهاية الرواية إلى الإجابة الأساسية والنهائية على لسان بطل الرواية الحائر الذي ترقى في السلطة، ورأى صراعاتها وتقلبها وعاصر فوضى الحكومات المتعاقبة، حتى وجد الإجابة أخيراً حين امتلك الجرأة الكافية لمواجهة ذاته، يقول:
"لا مفر أمامك من دفع الظلم حين يأتيك، إن أردتَ البقاء إنسانا. لا أدعوك إلى تكريس حياتك لدفع الظلم، ولا أن تجوب الأرض بحثا عنه كالعنقاء كي تقتله، لكن عليك أن تكون مستعداً في كل لحظة، حين تنزل عصا الظلم عليك أو بجوارك، حين يرتطم بك أحد نيازك الظلم السيّارة، أن تتصدى له مهما كان الثمن، ليس أمامك خيار آخر، فأنت إنت قبِلتَ الظلم انتهى أمرك، ولا تشغل بالك في نتيجة فعلك كثيراً، فلا أحد يعرف نتيجة فعله، لا يمكن لأحد أن يعرف النتيجة النهائية لأفعاله، لكن دفع الظلم واجب، ودفع الظلم هو غاية ما أرى، لا تسعفني عيناي برؤية أبعد من ذلك، هكذا خلقنا الله، فلِمَ نريدُ صواباً يتجاوز قدرتنا؟".
****
.. من ثار على الإخوان فإن الإخوان قد رحلوا وسقطوا، ومن ثار على الظلم فإن الظلم ما زال حياً في جسد السلطة لم يمت... أو راجع الفواصل الإعلانية.